المعرفة الباطنيّة GNOSIS    

  تأليف  بوريس مورافييف 

 تعريب وتقديم وتعليق  د/ فؤاد رامز

 الناشر مكتبة مدبولي 

eng
arb frn
 
   

 

 

                        كتاب

المسيحية: عقيدة الإيمان ومعرفة غنوصية تحيي               

تأليف جورج هارت

 

 

 

 

 

تحول طبيعة الإيمان

وكشف التقليد عن أسطورة آدم وحواء ومعنى الخلاص

 

 

يُعرّضُ هذا الكتابِ أحد الإطروحاتِ العديدةِ التى تُوْجَدَ في كتاب المعرفة الباطنية تأليف  بوريس مورافيف. للمهتمين بالمسيحية الروحانية فان كتاب المعرفة الباطنية هو الأداةُ الثّمينةُ للنّمو والتّطوّرِ، فهو الشّرحُ المنهجىّ المتّكامل الأولُ للتّقليدِ المسيحيِ بلغة تتناسب مع عقليتنا ومفاهيمنا.

ان الاطروحة المعروضة فى كتابنا قد أخذت من الفقرة التالية بمدخل كتاب المعرفة الباطنية:

" لهذا فإنّ عبارة القدّيس بولس الشهيرة: الإيمان والرجاء والحبّ 1( إلى أهل كورنثوس، 13: 13)، تلخّص برنامجا واسعا يتعلق بارتقاء العلم البشرىّ. فإنّنا إذا فحصنا تلك العبارة في إطار النص الذي تقع فيه تبيّن لنا أنّ الحدّين الأوّلين مؤقتان في حين أن الثالث دائم. فالعبارة كانت - تبعا للرسول - لها معناها وقيمتها في العصر الذي قيلت فيه (يقول القديس بولس بالنص في الآية 13: "الآن".)،ولكن كان يجب أن يتطور مدلولها بمرور الزمان. وهو ما حدث فعلا وحدث في نفس الاتجاه الذي كان القدّيس بولس يتوقّعه. فإنّ العلم والمعرفة بصفة عامّة كان عليهما أن يحلاّ محل الإيمان والرجاء اللذين كانا عندئذ أعلى نمط من أنماط الفكر الذي تستطيع إدراكه أذهان العصر الذي كان بولس الرسول يلقى فيه بتعليمه. هذا وقد حقّق العلم والمعرفة منذ عصر بولس الرسول حتّى الآن تطوّرا لا مثيل له. بيد أنّه يضيف: "عندما أصبحت رجلا، تخلّصت ممّا كان طفليّا فيّ: هذا هو وصفه لكيفيّة الانتقال من الإيمان إلى المعرفة. ويعود فيوضّح القدّيس بولس بعد ذلك أنّ المعرفة وان كانت (مرحلة) لازمة للارتقاء، فهي ليست بالحالة النهائيّة، فإنّه لا يمكن أن يكون لها إلاّ طابع جزئيّ. ليضيف بعد ذلك: إذا ما يحلّ ما هو كامل، اختفي الجزئيّ. إنّ الكامل هو الحبّ الذي يحتوى في داخله على تحقيق تام".

 

طبقاً لبوريس مورافيف، حمّل القديس بولس المسيحيةً ببرنامجِ منظّمِ يجب تنفيذه بأى ثمن.

 

إطروحتنا لذا التالي:

الإيمان مؤقت ويجب أنْ يتحوّلَ إلى معرفةِ حيّةِ. أن تقدّم العِلْمِ وتطوّر الفكر الاستدلالي القياسي اللا-أدرىّ قد غيّرا كثيرا من كيفية تفهم الإنسان للتقليد. ان هذا التغيير كان يجب أن يحدث بشكل تدريجي على مدار الفى عام. ان هذا التغيّر فى التفكير وتطوّر العلم قد قدّم للمسيحيةً إنذار نهائي: اذا لم يتغيّر  الإيمانَ والرجاء إلى المعرفةِ الحيّةِ، فان المسيحية محكوم عليها بالإعدام. ان المحيط التّأريخي والإجتماعي الذى نعيش فيه اليوم ، والذي يُؤلّهُ الشّخصيةَ الإنسانيةَ وسلاحها الأول الفكر الاستنباطي اللا أدَريَ الإيجابيَ (أو الاستدلال القياسي المنطقي اللا أدَريَ)، بجانب المُقت للأسرار والتتلمذ لها، كل ذلك يمثل حاجز لا يُعبْرَ تقريباً للتنفيذ المناسب لبرنامجِ القديس بولس.

 

المؤلف

دارس متخصص فى التقليد الباطنى وشتى فروع العلم والفلسفة، وقد ظهر هذا التخصص فى العرض الشيق لشتى فروع المعرفة بشقيها الدينى والعلمى. عاش بعد الوقت فى مصر حيث درس التقليد الارثوذكسى وبعد كتب الاسلام الروحانى والفلسفة.

 

الناشر باللغة الانجليزية: ترافورد – كندا

 

الناشر باللغة العربية: آفاق للنشر

 

بعض فقرات من الكتاب

 

الشّخصية أَو النفس: الدِّراسات النّفسية الحديثة الشّاملة لم تعطنا  شيءَ حول تركيبِ الكائن الحي النفسى للإنسان.

مهمّتنا المحددة هنا هى وصف التّركيبَ المعقّدَ لنفس الانسان. في الحقيقة لا يوجد هناك في الوقت الحاضر مثل هذا العِلْمِ. هل الجسمُ النفسى مكَوّنَ من الأعضاء، تساوى بالقياس تقريباً إلى أولئك مِنْ الجسمِ الطّبيعيِ؟ هذا الجسم النفسى كونه مختفيا ويمكن الكشف عنه فقط بطريقة غير مباشرة سوف لَنْ يَمْنعَنا من تَأكيد بأنّه "جسمُ". القارئ لَنْ يَجدَ مثل هذا البيانِ في أيّ نَصّ عاميّ: فقط آباءُ الكنيسةِ الأوائِلُ هم الذين أَكّدوا بأنّ الرّجلِ مَوْهُوبُ بجسمِ نفسىّ معقّدِ. حتى اليوم، لا يوجد مثل هذا التأكيد في عِلْمِ النّفْس الإيجابيِ (الحديث). إجمالاً يَتعاملُ عِلْمُ نفْس مع موضوعات مركّبة مثل الذّاكرةِ، والخيال وعملية خَلْق الأفكارِ، الخ. ، والتى لم يستطيع أن يربطها في وحدةِ متماسكةِ، أما عن الدّراسةِ الوظيفيةِ لمراكز المخ التى أضافتْ تشويشِ إلى موضوعِ مشوّشِ أصلا فحدث ولا حرج. عِلْم النّفْس الآن ممزّقَ إلى وحدات منفصلة عديدة، دِراسات متباينة، ضيّقة المجالِ ومتواضعة جداً بالنسبة إلى الَنتائِج: عِلْم النفس التجريبي، وعِلْم نفْس رد الفعل، وعِلْم نفْس الأجناسِ العرقيةِ، سواء هندوسية أو ألمانية أو روسية، الخ. ، وعِلْم نفْس الغرائزِ، وعِلْم نفْس المخىوالأحاسيسِ خاصِّ، وعِلْم نفْس الأعماقِ، الخ. قسم كبير آخر لعِلْمِ النّفْس خُلِقَ بعِدّة تجمعات صناعية لإختِبار الكفاءةِ والقدرةِ في مهندسيهم، طياريهم، أطبائهم، عُمّالهم، روّادهم للفضاء والكثير مِنْ الآخرين. . . مجموع الصفات المثاليةِ المطلوبة في كُلّ تجمع مهنىّ يُشكّلُ القاعدةَ التي تتطوّر وتتوسع فيها الإختباراتَ. كما لو أنَّ الانسان يتغيّر خلال الزمان والمكان، وكما لو أنَّ الانسان هو تعدّدَ لكائناتِ مختلفةِ غريبة عن احدها الآخر.

لقد تُرِكَ إلى التّحليل النّفسي لإسْتِعْمال (في حدود قواتِه) هذا الميراث الثقيل والغير حاسمِ والمتناقضِ ولإيجاد طريق جديد يسلكه. هنا المعيار قد قُلِبَ: إذا عولجَ المريضِ ، اذن المعرفة النّفسية كَانتْ صحيحةَ. النَّتائِج المُشَجّعة والإعجاب الذي إستحقَّته بعدل لَنْ يَعميانا: التّحليل النّفسي لم يزوّدَنا بنظريةِ مؤكدة ويعتمد عليها عن تركيبِ النفس الإنسانيِة، لقد زوّدنا فقط ببيانات ناقصة ومسببة للمشاكل. أقنعَ نفسه بالنَّتائِجِ التى حَصلَ عليها، ولم ينَجح فى أن يستخرج منها الفهم المتكامل لنفسيّة الانسان.

مقالة يونج المشهورة التي تَتعلّقُ بعلم نمط الانسانtypology تَشْهدُ إلى هذا الفشلِ. هَلّ بالإمكان أَنْ نُعرّفُ ونُعدّدُ الأنواعَ الإنسانيةَ الحاليةَ، وعلى أىّ أساس؟ هذه المحاولة لم تكن ناجحةَ ولَمْ تَعطي النَّتائِجَ المتوقّعةَ علميّا. لقد لَجأَ فيها يونج إلى المصادرِ المتنوّعةِ والغير تقليديّةِ، مثل أوريجين وآباء آخرون مِنْ الكنيسةِ.

من الناحية الأخرى عِلْم الطبع الانسانى characterology الذي كان مفروضا أن يجيب على السؤال: ما هو الطبع؟ كم عدد أنواع الطباع الانسانيّة هناك؟ ، وهَلّ بالإمكان أَنْ نُصنّفُ الرّجالَ طبقاً لطباعهم؟ هذا الفرعِ مِنْ عِلْمِ النّفْس نَجحَ في النهاية لتَثبيت وتَقْرير عدد معيّن من مسارات الطباع أَو الميزّاتِ الشّخصيّة. لَكنَّه لَمْ يُجبْ على الأسئلةَ الرّئيسيةَ التي كان مقصودا بها.

لذا، لا عِلْمَ نفْس، ولا التحليل النفسي، ولا علم الطباع، ولا أيّ نهج آخر زوّدَنا بوصفِ دقيق للنفس مثل الوصفِ الذي يزودنا به عِلْمِ التشريح فيما يتَّعَلُّق بالأعضاء الجسديّة الإنسانيةِ.

اننا لَنْ نَذْكرَ كُلّ الدّراسات النّفسية والدِّراسات الأحادية الجانب التى يُمْكِنُ الحصول عليها فى أعمال العديد مِنْ الفلاسفةِ الغربيينِ المُعاصرينِ؛ مثل أولئك الاعمال التى تدرس علم الظواهر phenomenological العظيم والمَدارِس الوجودية، الذان يَصِفانِ الانسان، من الناحية النفسيّة، كوعي لوجود (لكينونة واعية). رغم بإِنَّنا يَجِبُ أَنْ نَعترفَ بفَهْمهم الأصليِ والعميقِ للانسان من ناحية عِلْمِ الوجود ontology، ويَجِبُ أَنْ نُشيدَ إلى جُهودِهم الرّائعةِ لتأسيس التحليل النفسى الوجودى والمبنى على علم الظواهر الجديد phenomenological على القاعدةِ الثّلاثيةِ التّاليةِ: الوجود، والملكية، و العَمَل. هذه الخصائصِ الأساسيةِ الثّلاث في عِلْمِ النفْس الانسانى طبقا ً لهم لا يمكن انقاصها ولا تقسيمها؛ انها ذرّاتَ النفس الإنسانيةِ. في الحقيقة هؤلاء الفلاسفةِ ألهموا جيلَ جديدَ مِنْ المحللين النّفسانيين المُثقّفينِ جداً لإعادة بناء التّحليل النّفسي على هذه القواعدِ الجديدةِ. مدرسة  Henry Eyفي فرنسا و Binswanger في ألمانيا تَشْهدُ إلى عظمةِ ذلك المشروعِ.

أخيراً، يَجِبُ أَنْ نقرَ بأنّ الآلافَ والآلافِ من الدِّراساتِ النّفسيةِ التّجريبيةِ النظرية والعملية لَمْ تنفع كثيراً: اننا لم نكن مجهزون بنظامِ راسخ مِنْ المعرفةِ لَفْهمُ الآخرين وفهم أنفسنا.

بالإضافة إلى ذلك، أحد الأخطاءَ الخطيرةَ للعُلومِ النّفسيةِ الحديثةِ انها لم تَقْبلُ اطلاقاً المشاهدة والمراقبة الداخلية للانسان كطريقة ناجعة تعطى نتائج صحيحة. لقد احترمت التحليلات العميقةَ للكُتّابِ المشهورينِ مثل بالزاك، بروست، دوستويفسكي، زولا، الخ. لكن، بالنسبة لها لقد أدانت المراقبة والمشاهدة الداخلية حتى قبل أنْ يتم تجرّبتها.

تعاقب المدارس الواقعيةِ، ومدرسة المذهب السلوكى، وعِلْم النفْس الجيستالتى، ثم مدرسة personalist مِنْ مونير والعديد مِنْ الآخرين يُبرّرونَنا بالكامل في كتابة عنوانِ هذه المُلاحظةِ التّأريخيةِ القصيرةِ. لا توجد محاولةَ ناجعة في وَصْف النفس الإنسانية ككيان حيّ. إلى يومنا هذا، تبقى هذه المقولة صحيحَة بالكامل.

نَعتقدُ بأنّنا عندنا كامل الحق لنقول أن عِلْمِ النّفْس يحتضر. الحالة الفوضوية التي يمضى فيها هذا العِلْم المُزيّفِ تَبْدوَ أَنْ لا يَكُونَ لها مخرجَ محتملَ.

لذا وبلا شك، فإن عِلْم النّفْس، كأحد الفروع الكلاسيكية الرّئيسية الأربعة مِنْ الفلسفةِ في أزمةِ قاتلة.

اننا و العديد مِنْ الكُتّابِ الآخرينِ الذين يدركون الأزمةِ الإنسانيةِ العامّةِ فى نهايةِ القرنِ العشرينِ، نعتقد بإِنَّنا يَجِبُ أَنْ نَلْجأَ إلى الأقدمين لنعثر على حَلِّ محتملِ. من طرفنا لقد حللنا المشكلة بالإعتِماد على المعرفةِ العميقة والواضحةِ والقويةِ التى نقلها لنا القدماء نفسهم حول تركيبِ النفس الانسانية أَو حتميّة موتها. معاصروننا بالكاد يُمْكِنُ أَنْ يتفهموا  وجود تلك المعرفة المنهجيّة منذ أوقاتِ سحيقةِ لدِراسَة النفس الإنسانيِة. طبقاً للقدماء، تتكوّن النفس الانسانيّة من ثلاثة مجالاتِ أَو مراكزِ، كُلّ منها مركّبة في نفسها: مجال الغرائزِ والحركة، مجال الانفعال أَو الوجدان وأخيراً مجال العقل أَو التفكيرِ الإستطراديِ. سَنَتبنّى هنا تركيبِ النفس الإنسانية كأداة نستخدمها لدراسة الانسان، وذلك بعيداً عنْ فوضى النَّتائِجِ الهجينةِ والمتباينةِ للعُلومِ النّفسيةِ الفعليةِ.

هذه المجالاتِ الثّلاثة مرتبطة ببعضها البعض. عند دراستهم بشكل مستفيض فانهم يعطون فهم متكامل ومناسب ومتعدد التكافؤ للانسان.

اننا سَنَرْبحُ في مقتضى مقدرتنا مِنْ الأعمالِ العميقةِ والمُفصّلةِ والوفيرةِ التى تركها لنا رجال مثل أفلاطون، الآباء العظماء للكنيسةِ والمتأهون الإسلاميون تَركونا فى هذا الموضوعِ. انها لثروةُ التي تَركتها العُلومَ الإيجابيةَ الحديثةَ تعلق جانبا بدون معرفة أو تقدير بالضبط ما الذي ينقصهم ويغيب عنهم. بَعْض المُؤلفين المُعاصرينِ مثل يونج، إفولا، كيريني، ميرسي إلياد، الخ. يَجِبُ أَنْ يُمْدَحوا، ، لأنهم أشاروا إلى الأهميةِ القصوى لمثل هذه الأعمالِ؛ لقد ساهموا فى نشر إهتمامَ دوليَ واسعَ بالأعمالِ البارزةِ للقدماء. على سبيل المثال، الآن كُلّ الأوساط المُثقّفة تعْرفُ بالتأكيد أنَّه فى عملياتِ تحويل طبيعة المعادن فى الكيمياء، والتى حكى عنها كيمياوي القرون الوسطى عَنوا قبل كل شيء لتَحويل أنفسهم الخاصةِ، وبل هدّفوا إلى نوع من الإتحادِ الدّاخليِ الأندروجينيى، كما نَرى هذا كثيرا في الموضوعِ المشهورِ للانصهار والاندماج الكامل بين الملكِ والملكةِ.

نحن يَجِبُ أَنْ نُصرّحَ بأنّ كُلّ التّقاليد القديمة، سواء التى نشأت في الصين، أو الهند، أو الإمبراطورية الآشورية، أو فلسطين العبرانية، أو فينيقيا، أو مصر القديمة، أو اليونان أَو أوروبا من القرون الوسطى كُلّ قد أجمعت كليّا واتفقت تماما حول التّركيبِ المُفصّلِ للنفس الإنسانية.

اننا سَنَتبنّى في دِراساتِنا لفَهْم الانسان وتطورِه المحتملِ هذا التّركيبُ الثّلاثيُ للنفس الإنسانية الهالكِة، التى سُميّت أيضاً بالشّخصيةَ ، …

 

 

 

 
       
       
           

تصميم موقع . كم